من اليسر التساهل في إقامة الحدود وتخفيفها وعدم إقامتها .

من اليسر التساهل في إقامة الحدود وتخفيفها وعدم إقامتها .

تعرف على رأي الشريعة حول التيسير وعدم إقامة الحدود – اكتشف الفتاوى والتفاصيل

في زمن تتعدد فيه المفاهيم وتتباين فيه التفسيرات، يطرح البعض سؤالًا حساسًا ومهمًا: هل من اليسر التساهل في إقامة الحدود وتخفيفها وعدم إقامتها؟ هذا السؤال لا يتعلق فقط بالجوانب الفقهية، بل يمس صميم العلاقة بين الشريعة والواقع، وبين النصوص وأحوال الناس. يدور حول التوازن بين تطبيق أحكام الله كما وردت في النصوص، وبين روح الشريعة التي تدعو إلى الرفق والرحمة والتيسير.

في هذا المقال، نسلط الضوء على رأي الشريعة حول هذا الموضوع الهام، من خلال عرض أقوال العلماء، والفتاوى الموثوقة، وفهم المعنى الحقيقي للتيسير في الشريعة الإسلامية، دون أن نفرط في الأحكام أو نفرّط فيها.

التيسير في الشريعة: أصل أصيل أم تبرير للتفريط؟

عُرفت الشريعة الإسلامية بأنها شريعة اليسر، كما قال الله تعالى:
“يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (سورة البقرة: 185)،
وكما قال النبي ﷺ: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”.

ومع ذلك، يجب أن يُفهم هذا التيسير ضمن إطار الضوابط الشرعية. فالتيسير لا يعني إسقاط الواجبات، ولا إلغاء الحدود، ولا التهاون في حقوق العباد. بل التيسير هو إزالة المشقة الزائدة، وتقديم الرخصة عند الحاجة، وتطبيق الأحكام بروح العدل والرحمة، لا بالتعسف أو التشدد أو التفريط.

ما هي الحدود في الإسلام وما الحكمة منها؟

الحدود هي العقوبات المقدرة شرعًا، والتي حددها الله عز وجل لحفظ الضرورات الخمس: الدين، النفس، المال، العرض، والعقل. ومن هذه الحدود: حد السرقة، وحد الزنا، وحد شرب الخمر، وحد القذف، وحد الحرابة.

وقد شُرعت الحدود لتحقيق الأمن في المجتمع، وردع الجريمة، وإقامة العدل. وهي تطبق بشروط صارمة، وإثباتات قاطعة، تضمن عدم ظلم أحد، ولا تُنفذ إلا بوجود الدولة والسلطة الشرعية.

هل يجوز التخفيف من إقامة الحدود بدعوى التيسير؟

هنا يقع الخلاف والنقاش. بعض الناس يظنون أن التيسير في الإسلام يبيح إسقاط الحدود أو تعليقها، خاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الشبهات وتغيرت الأحوال. لكن الحقيقة أن العلماء فصلوا القول في ذلك بدقة.

قال العلماء: لا يجوز تعطيل الحدود بدعوى التيسير المطلق. فإن الحدود حق لله تعالى، ولا يجوز لأحد أن يُسقطها إن توفرت شروطها، وكان المجتمع في وضع يتيح إقامتها بشكل عادل ومنضبط.

لكن، هناك حالات استثنائية قد تؤدي إلى تعليق الحد لا إسقاطه، مثل:

  • عدم توفر الشروط القطعية للإثبات
  • وجود شبهة
  • غياب الدولة الشرعية المؤهلة لتنفيذ الحدود
  • خوف الفتنة أو الفوضى

وفي هذه الحالات، يكون التيسير من باب درء المفاسد، لا من باب التفريط بالأحكام.

فتاوى العلماء حول التيسير وعدم إقامة الحدود

كثير من العلماء المعاصرين تحدثوا حول هذا الموضوع، وأكدوا على ضرورة التمييز بين التيسير المشروع والتساهل المذموم.

الشيخ ابن باز رحمه الله، أفتى بأن الحدود لا تقام إلا من قبل السلطان، وأنها لا تُقام في الفتن أو في غياب الدولة الشرعية.

الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، قال: من شروط إقامة الحد: إقامة العدل، وجود السلطة، وثبوت الجريمة بدون شبهة. أما إذا انتفى ذلك، فيجب التريث والرجوع إلى ولاة الأمر.

اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، أصدرت عدة فتاوى تؤكد أن التيسير لا يجوز أن يؤدي إلى إسقاط الحد، وأن هناك فرقًا بين الشفقة وبين تعطيل حكم الله.

مركز الأزهر للفتوى كذلك أكد في بياناته أن التيسير لا يعني تعطيل الأحكام، بل يجب أن يكون بضوابط الفقه والاجتهاد السليم.

هل الدولة وحدها من يقيم الحدود؟

نعم، إقامة الحدود من اختصاص الحاكم أو ولي الأمر، وليس الأفراد. وذلك لعدة أسباب:

  • الحاكم لديه القدرة على التحقيق والتحقق
  • يمتلك أدوات القضاء الشرعي
  • يضمن العدل ويمنع الفوضى
  • يتحمل مسؤولية القرار وتنفيذه وفق المصلحة العامة

وقد حذر العلماء من أن يقوم الأفراد بإقامة الحدود بأنفسهم، لأن ذلك يفتح أبواب الفوضى، وسفك الدماء ظلمًا، ويضر بالشريعة أكثر مما ينفعها.

العلاقة بين إقامة الحدود ومقاصد الشريعة

من المهم أن نُدرك أن الشريعة الإسلامية تهدف إلى إقامة مجتمع آمن، عادل، متوازن. الحدود ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتحقيق الأمن والردع. فإذا أُقيمت في غير محلها، أو دون تروٍ وعدالة، فقد تؤدي إلى نتائج عكسية.

من هنا جاءت قاعدة درء الحدود بالشبهات. فلو وُجد أدنى شك في وقوع الجريمة، سقط الحد، وبقيت التعزيرات أو العقوبات الأخرى التي تخضع لتقدير الحاكم.

التيسير المشروع إذن هو الذي يتماشى مع مقاصد الشريعة، ويوازن بين النص والمصلحة، وبين الحزم والرحمة.

ماذا يقول التاريخ الإسلامي عن تطبيق الحدود والتيسير؟

لو تأملنا في عهد النبي ﷺ والخلفاء الراشدين، لوجدنا أنهم أقاموا الحدود بشروطها، لكنهم أيضًا درأوها في كثير من الحالات بالشبهات، أو أعطوا الفرصة للتوبة، أو أحالوا الأمر إلى القضاء العادل.

وقد رُوي أن النبي ﷺ رد رجلًا جاء ليُقام عليه الحد، وأمره أن يتوب إلى الله، فلما أصرّ، أقيم عليه الحد. وهذا دليل على أن الشريعة لا تسعى إلى الإيذاء، بل تسعى إلى الإصلاح.

هل يجوز اليوم إسقاط الحدود بسبب تغير الزمان والمكان؟

الزمان والمكان لهما أثر في كيفية التطبيق، لكن لا يجوز بحال من الأحوال إسقاط الحدود الشرعية الثابتة بنصوص قطعية، بحجة تغيّر الزمان. من اليسر التساهل في إقامة الحدود وتخفيفها وعدم إقامتها . فالشريعة صالحة لكل زمان ومكان، لكنها تتطلب فهمًا عميقًا، وتنزيلًا حكيمًا.

يمكن للفقهاء أن يدرسوا الوسائل والبدائل، ويضعوا ضوابط التنفيذ وفقًا للواقع، لكن لا يجوز القول بأن الحدود لم تعد صالحة للتطبيق.

الأسئلة الشائعة حول الموضوع

هل كل تيسير يعني تعطيلًا للحدود؟

لا، فالتيسير المشروع يعني تفهم الواقع، وتحقيق العدل، دون مخالفة النصوص أو إسقاط الحدود الثابتة.

من يملك صلاحية تعليق الحد؟

ولي الأمر أو الحاكم الشرعي، وليس الأفراد، وهو الذي يقدّر المصلحة ويأمر بالتنفيذ أو التعليق.

هل التوبة تُسقط الحد؟

إذا ثبتت الجريمة بشهادة الشهود، فلا تُسقط التوبة الحد. لكن إذا تاب قبل أن يُقبض عليه، أو لم تُثبت الجريمة، فالتوبة تُقبل ولا يُقام الحد.

هل يجوز التهاون في إقامة الحدود في المجتمعات غير الإسلامية؟

إذا لم تتوفر الدولة الشرعية أو السلطة القادرة على إقامة الحدود بعدل، فإن إقامتها لا تكون واجبة، بل يُصار إلى التعزير، والإصلاح، والنهي عن المنكر بالوسائل الممكنة.

الشريعة الإسلامية جاءت بالتيسير لا بالتعسير، لكنها لم تأتِ بالتفريط أو التهاون في حقوق الله. فـ التيسير في الشريعة لا يعني التساهل في إقامة الحدود وتخفيفها وعدم إقامتها دون وجه حق، بل يعني فهم النصوص في ضوء المقاصد، وتحقيق العدل دون ظلم أو تشدد أو تفريط.